يخوض رئيس الحكومة حسان دياب نيابة عن حزب الله حربا مباشرة مع كل القوى السياسية التي يتهمها الحزب بالتورط في الفساد الاقتصادي والسياسي والاجتماعي... بالنسبة للحزب، ليس مطلوبا من دياب اليوم اكثر مما قدّم، الرجل يتصرف ضمن الخطوط العريضة التي وضعها الحزب لاستعادة دور الدولة في ادارة نفسها بعدما اصبح جليا بان معظم القوى بينها اقرب حلفائه متورطة حتى العظم في ملفات الفساد ومتواطئة مع كارتيلات المصارف والكهرباء والنفط لتدمير البلد واعادة ترتيبه على قياسها.
ليس خفيا، ان دياب بات قريبا من حزب الله اكثر من معظم حلفائه باستثناء رئيس مجلس النواب نبيه بري... منذ اللحظة الاولى لتشكيل حكومة «التكنوقراط المقنعة»، كان الحزب مطمئنا الى ان الرجل النظيف الكف الاتي من خلفية غير سياسية او حزبية قادر على التصرف من منطلقات وطنية بعيدة عن المحاصصة وباستطاعته تدوير الزوايا السياسية والوقوف في وجه السنية السياسية المتمثلة برئيس الحكومة السابق سعد الحريري ومجموعة رؤساء الحكومات السابقين، والمارونية السياسية المتمثلة بحليفه اللدود جبران باسيل.
يوم ضرب دياب على الطاولة وطيّر التعيينات كانت يد الحزب تشد على يده، ويوم قال رئيس تيار المردة سليمان فرنجية انه سينسحب من الحكومة اذا لم تعتمد الية شفافة للتعيينات خارج منطق المحاصصة، كان الحزب ايضا يشد على يده، ضاربا بتوزيع الادوار بين دياب وفرنجية عصفورين بحجر واحد.
بداية استعمل الحزب فيتو فرنجية ودياب على التعيينات ليرفع عن كاهل حكومة الاخير مسؤولية تلويث يديها في مسألة ابعد ما تكون عن برنامج حكومة التكنوقراط التي يعلق الحزب امالا عليها للعبور الى دولة نظيفة نسبيا سياسيا واقتصاديا.
وفقا للعارفين بالحزب، فان حكومة من وزن وتركيبة حكومة دياب لن تكون قادرة على السير بين الالغام السياسية ونظام المحاصصة القائم دون ان تنفجر لا سيما في ظل ازمة كورونا.. وعليه، قرر الثنائي الشيعي سحب بساط معالجة الازمات السياسية والخلافية من حكومة دياب التي من الان وصاعدا سوف «تراوح مكانها» وتعالج ملفا وحيدا اسمه كورونا، تاركا له ادارة اللعبة السياسية وخوض المواجهة المباشرة مع الحلفاء والخصوم للحفاظ على الحكومة واعادة التوازن الاقتصادي والمالي، والمفارقة هنا ان الثنائي بات في الاونة الاخيرة ينظر بعين الريبة الى اداءالكثير من حلفائه.
منذ بداية حكومات زمن عهد ميشال عون، كان الحزب حريصا على عدم تفجير اية حكومة.. لا ننسى هنا ان الحزب قدم لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري في زمن ازمة ١٧ تشرين الاول كل التنازلات والتسهيلات لعدم انسحاب الرجل وفرط عقد حكومته، وبالتالي فان ما كان محرما سابقا عند الحزب، بات القيام به اليوم في زمن «الكورونا» خطأ جسيما قد يذهب بالبلاد والعباد الى المجهول.
وعليه، فان حزب الله «يستقتل» اليوم لعدم فرط عقد حكومة دياب، قرر الحزب عن سابق تصور وتصميم بالتكافل والتضامن مع بري و«الخلص» من الحلفاء اراحة دياب وتركيز عمل الحكومة باتجاه واحد فقط وهو ادارة ازمة كورونا.
هنا يمكن التأكيد ونقلا عن العارفين بالحزب ان سليمان فرنجية هو احد هؤلاء «الخلص»، فالرجل ابعد ما يكون عن التغريد خارج سرب التضامن الوطني مهما كانت المغريات السياسية.
وبالتالي، جاء تهويل فرنجية بالانسحاب من الحكومة كوصفة جاهزة للحزب وبالاتفاق الكامل معه لعدم احراجه «اي الحزب» مع حلفائه وتمرير تعيينات لا تروق له ولا يقبل بها من جهة، ومن جهة اخرى للحفاظ على دور وموقع فرنجية الذي تثبت الحزب انه المرشح الأوفر حظا لرئاسة الجمهورية ان لم نقل الوحيد.
فوفقا للمعلومات وبالوقائع، لم يكن صعبا على الثنائي الشيعي تسمية الاشياء باسمائها من دون مواربة ورفع الفيتو مباشرة في وجه الحلفاء والخصوم، ولكن ذلك دونه عقبتين، واحدة مردها الى عدم رغبة اي من الطرفين الشيعيين في البلد تفجير الحكومة وفتح الجبهات مع الطامعين والطامحين على حد سواء في هذا التوقيت، واخرى تتعلق بقرار «ذاتي - وطني» لدى الثنائي الشيعي واختصاره «متى قررنا المواجهة لا يمكننا التراجع ابدا».